Pages

Sunday, December 3, 2017

ما الذي جاء بك

لست أدري ما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟
الى كهف مظلم عفن تقطف فيه الورود وتمضغ، وتدوس فيه الأصابع الغجرية على براءة الفل، وتسحق الأقدام الثقيلة ذكريات الربيع.. 
بعد ان رايتك في مدخل كهفي الرمادي، بت أعرف أنك وردة مقطوفة.
زهرة فلٍ فقدت براءتها.. ذكرى ربيع سحقته الأقدام الثقيلة.
ألمح في عينيك قرونا من الحزن الأسود العميق تشبه الألوان التي تحاصر عينيك لتخفي شماتة الغضون.
وألمح في شفتيكِ لوعة لا تستطيع أن تعبر عن نفسها لأنها نسيت منذ سنين كيف بدأت.
وعلى يديك آثار من الأظفار التي تتغذى بقطرات الدم الصغيرة.
ومع ذلك فأنت تنظرين إليّ وكأنني أحمل معي بشرى الخلاص.
لا! أيتها الفلة التي فقدت براءتها.
إن بضاعتي كلمات اجترها وتجترني حتى شاخت وهرمت من التكرار وأصيبت بالحزن.
اقنعة باهتة ودروع فيها من الشقوق والاثلام ما يحكي قصص سنوات من الحروب الخاسرة...
وكيف لكلمات كهذه أن تبشر بالخلاص؟
أما أنتِ فقد أصبحت فجأة دون أن تدركي أسيرة هذا الكهف وجاريته وسيدته وسجينته وملكته وصاحبته ومعبودته ومسجونته...
أدمنتِ الأيدي التي تقطف، والأصابع التي تدوس، والأقدام التي تسحق.
أدمنتِ حتى لم يعد بإمكانك أن تتعاملي مع إنسان لا يقطف ولا يدوس ولا يسحق.
أصبحت كما العجوز المتصابي الذي لبس اللون الأحمر ليخفي شيبه وتجاعيد وجهه.
أدمنك قبل أن يرتشفك وعاش في خيال وحدته يبتدع لحظات لن تأتي.
خوفي ان يتعلق الزمن تبقين في الكهف. تبقين لتعاشري الكاهن العجوز بكل اقنعته ودروعه وحزنه وبؤسه وتقلباته وامزجته واطيافه والوانه. تبقين عنده تغنين وتضحكين وترقصين. ويرمي لك كهفه فتات الخبز والقليل من الفضة الصدئة.
تبقين حتى يكتشف الكهف أنه لم يعد فيك ما يصلح للقطف أو المضغ أو السحق.
وعندها تنتقلين من قبضته إلى قبضة الكهولة الجليدية بلا كلمة وداع.
فما الذي جاء بك إلى هذا المكان؟!

No comments:

Post a Comment